كيفين دي بروين.. في تعريف السهل الممتنع

تقرير – أحمد مختار

س: عرف السهل الممتنع؟ 

ج: كيفين دي بروين 

لا يحتاج للمراوغة أو الترقيص أو الوقوف على الكرة أو الدوران حول نفسه، حتى يبهرك ويجعلك تشعر بالبهجة والسعادة والانبهار. دي بروين مباشر جدا، ولعبه طبيعي جدا، ومؤثر جدا جدا جدا جدا. 

“لديه الجودة، التفاني في العمل من دون كرة، الركض بلا ملل ولا تعب، والذكاء اللازم للتعامل تحت الضغط”، يقول بيب غوارديولا هذا الكلام عن دي بروين، البلجيكي الذي يتمتع بأذن صافية، تستمع إلى التعليمات بشكل جيد جداً، لينفذ ما يُطلب منه داخل الملعب بصورة مطابقة، لا يتفلسف ولا يحاول أن يستعرض في إطار غير صحيح. منتج جداً في النهاية، يسجل الأهداف ويصنعها، يمرر لزملائه فرص ذهبية، يعود للدفاع ويتحول إلى الطرفين، يجيد اللعب في 4-5-6 مراكز دفعة واحدة، يرى المساحات بشكل جيد، ويملأ الفراغ الشاغر في الوقت المناسب، بكل حيادية صاحب الوجه الشاحب لاعب متكامل بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. 

جوارديولا أستاذ في عالم التدريب، لا تعني هذه الكلمة أنه أفضل من غيره أو أعلى منهم مرتبة، ولكنها تأتي كنتاج فعلي للمقارنة بين مصطلحي “الأستاذ والمدير” في عالم التكتيك، فالأول يطلب من لاعبيه بصيغة قريبة من الأمر، يتحدث معهم في أدق التفاصيل الخططية، يُرهقهم ويُتعبهم داخل الملعب وخارجه، ويفضل دائماً أن تكون حركتهم وفق ما يريد هو فقط، بينما المدير شخص مهتم بوضع الإطار العام فقط، يتحدث عن الخطة والاستراتيجية وأسلوب اللعب، مع ترك حيز واسع لكل لاعب، إنه صديق النجوم، الإيطالي كارلو أنشيلوتي على سبيل المثال.  

يقود بيب رجال القسم الأول، إنه المدرب الذي أمر هنري بالخروج من الملعب، لأن الفرنسي الكبير تحرك بشكل ارتجالي عكس تعليمات المدير الفني، رغم أنه سجل هدفاً في النهاية، إلا أن هذا التصرف لم يعجب الفيسلوف، ليأمره بالتغيير فوراً. يحكي الغزال الفرنسي هذا الموقف عبر شبكة “سكاي” بشيء من الفخر والاعتزاز بقائده، عكس زلاتان إبراهيموفيتش الذي انزعج من هذا النظام الصارم، ليقول عن برشلونة في كتابه، “فريق أشبه بالمدرسة، تجد تشافي وإنيستا وميسي، هؤلاء النجوم الأباطرة، أقرب إلى طلاب الفصل، يأتون إلى التدريب وينفذون كل ما يطلبه مدرسهم غوارديولا، من دون التفوه بأي لفظ اعتراضي”. 

ربما كان هذا السبب هو الأساس لعدم القبول المتبادل بين بيب وإبرا، فالكاتلوني أبعده تماماً عن المشاركة بعد فترة، والسويدي طلب الهبوط في أول محطة. في المقابل، يعتبر كيفن دي بروين نموذجاً مثالياً للنجم المفضل بالنسبة لجوارديولا، لأنه يرضى باللعب في أي مركز، يستمع إلى التعليمات بحذافيرها، منضبط بشدة داخل ميدان التدريب، وشديد التضحية من أجل زملائه وفريقه. 

يتحول الاستحواذ إلى نسخة سلبية، إذا زادت التمريرات فوق الحد الطبيعي، وفشلت في خلق الفراغ المطلوب. يصرخ جوارديولا في وجه صديقه مارتي بيرارنو، ويقول بأن التيكي تاكا مجرد ترهات صحافية ليس لها وجود، لأن الأصل في اللعب هو التمركز، لذلك يتم استخدام التمريرات المتتالية لتشتيت إنتباه المنافس لتحقيق ما هو أهم، بتحقيق التفوق النوعي والعددي خلف خطوطه. ودي بروين بالنسبة لفريق السيتي الحالي، أفضل نموذج ممكن لتحويل هذه التمريرات إلى واقع ملموس، بكسر نسق اللعب وتسريعه عند الحاجة، ونقل الهجمة إلى درجة أعلى قريبة من مناطق الخطورة، رفقة لعب الكرة العمودية المباشرة، بعد فاصل مستمر من الكرات العرضية والجانبية شبه المتوقعة. 

لا أفضل من وصف المحلل جوناثان ويلسون عنه في الجرديان، “دي بروين هو الصمام الذي يمنع التيكي تاكا من الوقوع في فخ الملل والتكرار”! 

السيتي تحول بشكل صريح من 4-3-3 إلى 4-2-3-1، رودري أقرب إلى ثنائي محوري مع جاندوجان Double Pivot، مع تواجد بروين بالمركز 10 بين محرز وستيرلينج وخلف خيسوس أو برناردو الحر، مما يجعل البلجيكي أقرب إلى صانع اللعب الحقيقي في تشكيلة مانشستر سيتي هذا الموسم.  

دي بروين بالنسبة لي هو الأميز بين لاعبي الوسط في العالم، لأنه باختصار نموذج للاعب الوسط المتكامل، يفعل كل شيء، يسبق غيره، يتخيل اللعبة قبل قدومها، ولديه صداقة مع عامل المكان والزمان، تجعله يفكر قبل خصمه وحتى زميله، بـ 1-2 ثانية، لذلك فإنه مختلف عن أقرانه من بين لاعبي المنتصف حالياً. 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى