حكاية الأم العصامية التي صنعت من مأساة لوكاكو بطلا قوميا لبلجيكا ..!

حكاية كتبها / محمد العولقي

قال عنها زلاتان إبراهيموفيتش هداف الميلان الإيطالي العتيق إنها امرأة شريرة تمارس سحر الفودو ، انفعل ابنها روميلو لوكاكو هداف إنتر ميلان الإيطالي، و تطاير الشرر من عينيه، و كاد يفتك بالسويدي ذي اللسان الطويل و السليط  لولا تدخل لاعبي الميلان و الإنتر في الوقت المناسب ..

انفض مولد التلاسن بين المهاجمين إبراهيموفيتش و لوكاكو في حادثة مؤسفة شهدها ديربي مدينة ميلان في ربع نهائي كأس إيطاليا ، لكن تداعيات الحادثة ألقت بظلالها على مسيرة امرأة سوداء عانت الأمرين قبل أن تهنأ بحياة كريمة ..

   ربما عاشت أدولفين بعيدة تماما عن الأضواء ، ولم تكن يوما من صلب اهتمام وسائل الإعلام في بلجيكا و ايطاليا ، لكنها في الواقع كانت قد أحدثت هزة أرضية بتسع درجات على مقياس نادي إيفرتون الإنجليزي عام 2018 ، يومها لم تعر الصحافة و وسائل الإعلام القضية أدنى اهتمام ..

   كان العالم يحتفل برأس السنة الميلادية الجديدة 2018 عندما خرج مالك نادي إيفرتون فرهاد موشيري بتصريح غريب على خلفية رفض لوكاكو تمديد عقده مع فريق مدينة ليفربول الأزرق ، مفضلا الانتقال إلى مانشستر يونايتد ..

  وقف موشيري أمام جبل من الكاميرات ، ثم لوى شفتيه في تبرم واضح قائلا :

” روميلو لوكاكو رفض تجديد عقده مع إيفرتون لأنه تلقى مكالمة من والدته نهته عن فعل هذا ..”

لم يكن في كلام مالك نادي إيفرتون أدنى تشويق او إثارة ، و بينما بدت تظهر علامات الخيبة على وجوه رجال الصحافة ، حك موشيري أرنبة أنفه ، ثم ألقى بالقنبلة :

” أدولفين أخبرت روميلو أن عليه الانتقال إلى تشيلسي، لأنه تعرض في وقت سابق في زيارته لأفريقيا لسحرالفودو “

كان موشيري يتوقع أن تقوم القيامة على رأس لوكاكو ، لكن ظنه خاب، لأن الصحافة وقتها تعاملت مع كلام موشيري على أنه انتقام و تشويه لصورة لاعب أفريقي الأصل رفض التجديد لفريقه ..

بعد ذلك بأربعة أيام على تصريحه الغريب ظهر موشيري عريان تماما أمام وسائل الإعلام الإنجليزية ، لأن لوكاكو لم يذهب إلى تشيلسي وقتها ، لكنه وضع رحاله في آخر معقل كروي كان يتوقعه موشيري، مانشستر يونايتد ..

يومها رد لوكاكو الدين لمالك ناديه السابق :

” يؤسفني أنني خيبت ظن موشيري ولم أدعم هذيانه عن سحر الفودو ، أنا هنا في معقل الشياطين الحمر، وعلى ما أظن ليست هناك علاقة للشياطين بسحر الفودو ..”

مأساة أم..

كان لوكاكو الأب في نهاية مشواره الدولي مع منتخب زائير سابقا (الكونغو حاليا)، عندما دنت زوجته أدولفين من أذنه و قد كانت حامل قائلة :

“عزيزي يجب أن نهرب من هذه العيشة الضنكا ، لو بقينا عام آخر هنا سنموت من الجوع ..”

  ذات يوم مخرت سفينة متهالكة عباب المحيط، ثم القت حملها على شواطئ بلجيكا ، كان مخططا أن تنتهي المغامرة الصعبة على الساحل الفرنسي، لكن الأقدار شاءت أن تنتهي الرحلة في بلجيكا ..

  وهناك ذاقت الأسرة الصغيرة مرارة العلقم ، لكن طفلا جديدا وضعته أدولفين غير مسار تفكير الأب و الأم ، لقد نما روميلو على حياة قاسية جدا ، و عندما كان في السادسة بدأ شعور الذنب يعذبه ..

   كانت الأم لا تملك شيئا من حطام الدنيا ، و لك أن تتخيل نظرة مجتمع أبيض لامرأة ملونة و طفل ملون لا يشاهد تلفزيون، و لا يرى مباريات كرة القدم إلا في الحارات ..

ظلت الأم تقترض الخبز من فرن مجاور ، كان صاحب الفرن يرثي لمأساة هذه الكونغولية التي سلمت قدرها تماما لمجهول مخيف ، فقط كان اللبن المخلوط بالماء و بعض الخبز الجاف طعام الصغير لوكاكو و شقيقه ..

  في مدينة أنتويرب البلجيكية عاش روميلو إلى جوار شقيقه  جوردان حياة أخرى لها مذاق الدم، سلك روميلو بالصدفة البحتة طريقا نحو نادي أندرلخت الشهير ، كان يجرب حظه ولم يكن يعلم أن تلك الزيارة ستغير حياة أسرته الصغيرة إلى الأبد ..

لوكاكو .. ينتصر لأمه

في أندرلخت قضى لوكاكو فترة صعبة للغاية ، لم يكن هناك أي تغير طرأ على حياة والدته و شقيقه ، عاشت الأسرة في بيت متهالك عتيق مليء بالفئران و الحشرات الزاحفة ، ولم تكن الأم لتنام إلا قليلا ، كان الطعام هو ذاته خبزا جافا و لبنا مخلوط بالماء ..

لم يذهب روميلو إلى المدرسة ، من أين لوالدته ثمن الملابس و المستلزمات ..؟ ، حاول الصغير أن يعمل في ورشة لإصلاح السيارات ورفضت الوالدة ..

يومها أقسم لوكاكو لوالدته أن يغير حياتها، و أن يسعد جده في قبره ، و أخيرا بانت نواجذ مسيرته الكروية لقد تم ضمه فعليا إلى أندرلخت ، لأول مرة يحصل على مبلغ مالي ، كاد يطير من الفرح ، لكن موقفا ما أدخل الأسى إلى قلبه مجددا ..

كان زملاؤه يتحدثون عن هدف زين الدين زيدان الأسطوري في مرمى بايرن ليفركوزن الألماني في نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2002 بجلاسكو ، اضطر لوكاكو مشاركتهم النقاش، وهو لم يشاهد الهدف ، ببساطة لم يكن التلفزيون قد دخل بيت لوكاكو في ذلك الوقت ..

” شعرت برغبة في البكاء ، فكرت شراء تلفزيون بالمبلغ، لكنني تذكرت أمي و معاناتها مع الحطب و اللبن المخلوط بالماء و الخبز الجاف الذي يمزق أحشائي ، ألغيت الفكرة تماما ولكم أن تتخيلوا فرحة أمي عندما منحتها النقود ، أخيرا تمكنا من شراء بعض الخضار و الفواكه .. كان يوما لا ينسى ..”

    كان روميلو يتدرب في الملعب مثل البغل ، كان ذهنه مشغولا بتغيير مصير الأسرة ، ولعل هذا الاجتهاد قاده فيما بعد إلى منتخب بلجيكا، ومن ثم الاحتراف في إنجلترا مرتديا قمصان تشيلسي و إيفرتون و مانشستر يونايتد، قبل أن يحط رحاله في إنتر ميلان الإيطالي ..

وفي كل مباراة يسجل هدفا سواء مع منتخب بلجيكا أو الأندية التي لعب لها، لا بتورع عن إهداء تلك الأهداف لوالدته ، لهذا السبب كاد لوكاكو يفتك بالسويدي و هداف الميلان زلاتان إبراهيموفيتش عندما تلفظ على والدته التي صنعت منه نجما عالميا كبيرا يسكن فيلا فاخرة ويمتلك كل شيء تقريبا ..

يقول لوكاكو عن حياته الجديدة :

” كنت أتمنى الحديث إلى جدي لآخر مرة كي أخبره أن ابنته أصبحت في أمان، الآن تعيش في بيت جميل بلا فئران ولا تنام على الأرض ..”

هذه ببساطة حكاية الأم العصامية التي عانت الأمرين مع  حياة البؤس، ثم صنعت لبلجيكا بطلا قوميا أسود ضخم الجثة يوزع لها السعادة بأهدافه الغزيرة و إخلاصه لوطنه الجديد ، ترى هل يخجل إبراهيموفيتش من نفسه بعد قراءة مسيرة هذه الأم العصامية ..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى