أتليتيكو مدريد وبرشلونة.. “الجبناء لاينتصرون ولا يهزمون”

 

تحليل- يوسف حمدي

يقول باولو كويلو إن الانتصارات والهزائم جزء من حياة كل إنسان، إلا حياة الجبناء؛ فإنهم لا ينتصرون ولا يهزمون إطلاقًا.

الجدير بالذكر أن كويلو لم يكن لديه أية صلة مع كرة القدم من قريب ولا من بعيد، ولكن مصادفات القدر أحيانًا تكون أكثر قدرة على التعبير من أي شيء آخر.

على ذلك، انتهت المواجهة بين أتليتيكو مدريد وبرشلونة بالتعادل، بالأحرى مواجهة سيميوني أمام فالفيردي، تلك التي لم تشهد أية محاولة من كليهما لخطف النقاط الثلاثة، لم تشهد أية مغامرة منهما، حتى في الأوقات التي تفرض فيها المغامرات نفسها، ولم تشهد كذلك أية لمحة تستحق التصفيق، عفوًا، لم تشهد ما يستحق منك حتى البقاء مستيقظًا حتى صافرة النهاية..

الدخول في التفاصيل في مثل هذه المواقف يكون سهلًا، فقط في حال كان لديك القدرة على تعبئة ليلة الأمس في إطار الحديث عن المباريات التكتيكية، تلك التي يوضع في إطارها أية صورة عشوائية لا تمت للكرة بصلة، وتلك التي يحاول المعلقون والمحللون إظهار قواهم الخارقة في فهم ما لايفهمه العوام من خلالها، فإذا كان التكتيك مرادفًا للعجز فلتذهب كرة القدم إلى الجحيم، لأن العمر أثمن بكثير من أن يضيع بين جنبات هذا الهراء…

بالطبع لا أحتاج لأن أخبرك

هذه الجملة ستكون استفتاحا للكثير من الأشياء، فأنا بالطبع لا أحتاج لأن أخبرك أن نسبة استحواذ برشلونة تجاوزت ضعف نسبة استحواذ غريمه، وأن عدد تمريراته كان كذلك أيضًا، ولا أحتاج لأن أخبرك بأن أتليتيكو مدريد ظل قابعًا في الخلف بحثًا عن المرتدات، وأنه سجل هدفه من ضربة ثابتة، وأن برشلونة تعادل قبل النهاية بدقائق، ألم يحدث ذلك بحذافيره في العام الماضي؟

 

ألم يتكرر أيضًا أمام ريال مدريد في آخر السنوات لأكثر من عشر مرات تقريبا؟

في هذه الليلة هناك أشياء أخرى من الضروري ذكرها، لأنها لم تتكرر في السنوات الأخيرة كسابقتها، أود إخبارك أن تلك المرتدات التي اعتاد سيميوني انتظارها لم تأتِ، لأنه فشل في إيجاد مساحات لتطبيقها، ولأنه كان عاجزًا عن سحب خطوط برشلونة، ولأن فالفيردي لم يكن لديه من الجرأة ما يكفي للخروج من مناطقه كثيرًا، أيضًا أود أن أخبرك بأن الفريقين سددا 4 تسديدات على المرمى بمعدل تسديدتين لكل منهما، أي أن كل فريق سدد تسديدة واحدة خلاف الهدف، وكلتاهما من خارج منطقة الجزاء وبلا أية خطورة تذكر، ذلك يرجع لتكتيك رائع في عقل المدربين بالطبع لا لأشياء أخرى…

وأخيرًا لا أحتاح لأن أخبرك بأن سيميوني بدأ بـ 4/4/2 كلاسيكية مسطحة، وأن فالفيردي بدأ بـ 4/4/2 أخرى ولكنها بلا معالم كأي شيء يقوم به، فقط ما تغير أن سيميوني لعب بسافيتش ولوكاس هيرنانديز كقلبي دفاع نظرا لإصابة جودين، كما لعب أرياس كظهير أيمن نظرا لغياب خوانفران لنفس السبب…

على الجانب الآخر لعب آرثر رفقة فيدال وروبيرتو وبوسكيتس في الوسط، وعاد أومتيتي بعد غياب شهرين ليشكل ثنائية الدفاع رفقة بيكيه، عدا ذلك لم يشهد تشكيل الفريقين أية مفاجآت، تماما كالدقائق التسعين التي لعباها…

الحياة بدون أجنحة

كعادة سيميوني فإن الـ 4/4/2 التي يلعب بها تختلف قليلًا عن صفتها المطلقة، التشولو يلعب بأجنحة أقرب للدائرة من الخط، تقترب من الخط في الحالة الدفاعية من أجل غلق الملعب عرضيا، عدا ذلك فإنهما يقتربان من ثنائي الارتكاز، لهذا لم يجد كاراسكو في الماضي أريحيته، ولهذا أيضًا وجد سيميوني ضالته في توماس ليمار، نعم ستشير الأرقام إلى كون أتليتيكو مائلًا لليسار أكثر من اليمين ومن الوسط، ولكن يجب الإشارة لأن هذا فقط تم لأن ميسي كان هناك، ليس لأن سيميوني فكر مثلا في استغلال المساحات على الأطراف لا سمح الله…

في برشلونة الوضع لا يختلف كثيرًا، جناحا الخط مالكوم وديمبيلي يجاوران بعضهما على دكة البدلاء، كوتينيو خارج التشكيل، إذا من البديهي أن تجد الجميع في العمق، روبيرتو الذي كان ظهيرًا بالأمس القريب سيميل فقط إلى اليمين قليلًا، عدا ذلك فالجميع سيلعب في العمق، لأول مرة يقرر مدربان في مباراة مثل هذه الاستغناء عن أهم أسلحة فك التكتلات، أو بالأحرى لأول مرة يبحث المدربان عن أماكن وجود التكتلات من أجل الذهاب إليها لا اجتنابها…

ليمار وساؤول يلمسان الكرة في 70 مناسبة فقط، بينما ثنائي الارتكاز رودري وكوكي يصل عدد لمساتهما إلى 135 لمسة، ناهيك عن كون ثلاثة أرباع هذه اللمسات هي محاولات بائسة من أجل تدوير الكرة بشكل سلبي، ولكنها إشارة فقط إلى أين كانت تدور الكرة بهذا الشكل السلبي لا أكثر…

لا تحرك ساكنا!

في حال كانت الصورة باهتة في الشوط الأول، فإن الأمل الأخير يكون في أيدي المدربين، فبعد قراءة شوط أول وجلسة مع اللاعبين لربع ساعة من البديهي أن يتغير الوضع ولو قليلًا، من البديهي أن يكون هناك بعض التغييرات أو الملاحظات من أجل تصحيح هذه الصورة، ولكن في ليالي العجز المشابهة تمر الدقائق التسعين كما بدأت، ولا يتدخل في سير اللعب أي شيء سوى العشوائية، أو ما يعرف بالتكتيك في عرف بعضهم…

قراءة الشوط الأول لفالفيردي كانت توحي بضرورة نقل اللعب على الأطراف، لأن مجرد تواجد ميسي على الجناح في لقطات كان كفيلا بفتح مساحات في العمق، فما بالك أن تدفع بمالكوم وديمبيلي وتترك ميسي في العمق يستمتع بتلك المساحات، إرنستو تم إجباره على إخراج روبيرتو بنهاية الشوط الأول نظرا لإصابته، مما أفسح له المجال بإقحام إما مالكوم أو ديمبيلي وتحويل الرسم إلى 4/3/3، ولكن الرجل قرر إبقاء الوضع على ماهو عليه بإقحام رافينيا، في خيار تقليدي بامتياز من أجل الحفاظ على الصورة الباهتة كما هي، يبدو أن هناك شيئا ما لم نره كان يخافه فالفيردي…

في الناحية الأخرى يبدو أن سيميوني كان مقتنعا بالمشهد تماما لدرجة جعلته يستخدم تبديلين فقط من الثلاثة المتاحة، وجعلته أيضا لا يرى أن هناك حاجة للدفع بجيلسون على الطرف أو توماس بارتي في العمق مع تحرير ساؤول نسبيا مما سيعطي نفس النتيجة تقريبا…

فقط احتاج التشولو إلى إقحام فيتولو بدلًا من ليمار مع الحفاظ على الرسم كما هو، وإقحام كوريا بدلًا من كوستا قبل النهاية بعشر دقائق بعد تسجيله الهدف الأول، من أجل الحصول على مساندة وحركية أكبر من كوريا، وحتى لا يطرد المهاجم الإسباني بعد حصوله على إنذار معتاد…

عشوائية في المؤتمر أيضا

في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد المباراة قال فالفيردي: “كنا نرغب في السيطرة على المباراة وأن نبقي الكرة في منطقتهم، ولكن عليكم أن تفهموا أنهم خبراء في ذلك، في التكدس في الخلف، في الخروج بالهجمات المرتدة واستغلال المساحات، لم نهاجم بالشكل الذي أردناه لأنهم لعبوا بشكل جيد، أبقينا الكرة في منطقتهم، إلا أن أتليتيكو أغلق علينا، وركلتهم الركنية الأولى سُجلت هدفًا”…

الرجل حاول أن يبرز حماقته بشكل أكبر، ويعلن صراحة أنه تماما كالجميع كان يعلم أن سيميوني ولاعبيه خبراء في التكدس في الخلف، ولذلك أبقى مالكوم وديمبلي إلى حدود الربع ساعة الأخيرة بعد استقباله للهدف…

على الجانب الآخر فإن سيميوني قد أشاد بقراءته للمباراة، وأنه كان يعلم أن برشلونة سينقل اللعب للعمق بسبب غياب كوتينيو، لذلك كان التشولو وفيا لإنسانيته ولم يسمح لكرة القدم أن تفرق بينه وبين أصدقائه في برشلونة وذهب معهم إلى العمق، تذكر عزيزي أن كل هذا العبث يتم في قمة بين فريقين ينافسان على لقب الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا…

التعادل كان نتيجة منطقية لكون الطرفان يستحقان الخسارة، فإذا كان هذا الخيار غير متاح فإنه على الأقل يجب تجنب أن يفوز أحدهما، كان منطقيا أيضا بالنسبة لمقولة كويلو، وأن التعادل في كرة القدم هو تجسيد لمقولة “لا ينتصرون ولا يهزمون”…

كل ما في الأمر أن السيناريو كان أسوأ من السنوات الماضية حتى، وهذا فقط ما يثير الرعب نحو ما تتجه إليه كرة القدم في السنوات المقبلة، خاصة وأن الجو العام دائمًا ما يشيد بالجبناء حتى نسوا ذلك، وأصبحوا يعتقدون بأن العجز عقل كما قال المتنبي قبل مئات السنوات من ولادة فالفيردي وسيميوني وآخرين يشبهونهم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى