كومان.. أتحداك تتكلم صراحة ..!

كتب- محمد العولقي

لست هنا في محاضرة عن أساليب اللعب وطرق إعداد أي فريق من كافة النواحي، ولست بحاجة لتوظيف المصطلحات والمفردات بما يتناسب مع آليات المباريات الكبيرة، يعلم كل من في رأسه خلية من مخ أن هناك مباريات تتطلب حذقا تدريبيا في التعامل مع الجزئيات الصغيرة، كما تتطلب مرونة فنية تنتصر لمهارات وقدرات لاعبيك، دون أن تنتقص أو تقلل من حجم المنافس، حتى لو كان كبير آسيا..

ببساطة شديدة وبعيدا عن روتين التكتيك ومشتقاته من شاكلات وتقنيات، هناك مباريات تدور على خط التماس أشد ضراوة من مباريات تدور داخل الملعب، على خط التماس، هناك مدربون يلعبون بعقولهم، يفكرون وينتجون، ثم يحولون مربعات الملعب إلى خرم إبرة، لا يسمح بمرور ذبابة واحدة ..

وداخل الملعب يطبق اللاعبون فكر ونهج مدربهم وما خطته أنامله على سبورة الشرح، وشتان بين مدرب يبتكر في جزء من الثانية، وآخر يغتاله الخوف والجبن، فيشاهد المباراة بعقلية مراهق هاو لا يعرف ثلث الثلاثة التكتيكية كم ..

كومان مدرب المنتخب العماني

مناسبة هذا الطرح المنطقي والمعروف، أنني مصدوم من البلعوم حتى الحلقوم، من قتامة كومان مدرب منتخب عمان، ومن مردوده الفكري الذي هزم منتخب عمان في موقعة قطر، بيده لا بيد سانشيز أو المعز علي ..

دون مبالغة يمكنني التأكيد أن منتخب عمان فوت على نفسه فرصة الخروج من عنق زجاجة العنابي ظافرا غانما، أعني أن منتخب عمان كان في وسعه الخروج من ملعب (الجنوب) المونديالي بالتعادل على أقل تقدير، لو أحسن الكوتش كومان التعامل مع المباراة في الشوط الثاني بالذات ..

لعب منتخب عمان أمام منتخب قطر بوجهين مغايرين، وجه شاحب في الشوط الأول، وآخر مقبول في الشوط الثاني، لكن لم يكن بطل آسيا في وضعية مريحة حتى يلجأ كومان إلى مسلسل طويل وممل من جس النبض، ولم يكن مدرب منتخب قطر سانشيز يتوقع أن يختار كومان فلسفة الانكماش طويل الأجل دون البحث عن تحريك آليات الكونتر أتاك الخاطفة ..

أي مدرب في العالم يسعى إلى تقليص الفوارق بينه وبين خصمه، يعتمد استراتيجية استنزاف الخصم، سحب رصيده البدني، ثم جرجرته إلى حرب سيكولوجية تزرع الفوضى التكتيكية في مفكرة المدرب، وبصراحة كانت الفوارق بين منتخبي قطر وعمان في الدوحة بسيطة تكاد لا تصنع الفارق، لكن كومان دون مبرر مقبول أو سبب معقول حول (حبة) منتخب قطر إلى (قبة)، وهذا ما يفسر حقيقة أن منتخب عمان دخل المباراة للخروج بنتيجة مشرفة، أو الخروج بأقل الأضرار الممكنة، ولست أدري هل الخسارة بفارق هدف تعني الخروج بأقل الأضرار الممكنة؟! ..

هل كان على كومان أن يكون جريئا في الشوط الأول بدلا من اعتناق مبدأ الانكماش تحت برودة تقنية التبريد ..؟، لست أدري .. لكن الاكيد أن كومان دخل المباراة مرعوبا وخائفا، وللأسف أن هذا الرعب والخوف انتقلا أوتوماتيكيا إلى اللاعبين دون سابق إنذار..

كان أول خطأ وقع فيه كومان، أنه حاك شاكلة منكمشة تحسبا لإمكانيات لاعبي قطر، وكان الأحرى أن يلعب بطريقة تناسب فرديات وقدرات لاعبيه، أو أن يحيك ثوبا تكتيكيا يستثمر محاسن لاعبيه الفنية، وما أكثرها ..

والخطأ الثاني، يبدو أن كومان قرأ الدرس الهندي في الدوحة بالمقلوب، ولو تمعن في الصورة لاكتشف أن منتخب الهند خرج من كومة قش الدوحة متعادلا، لأن مدرب الهند فاجأ سانشيز مدرب قطر بواقعية التوازن باللعب على قدرات لاعبيه وليس العكس..

الخطأ الثالث، كومان سلم ذقنه لسانشيز مبكرا، فمع حرمان لاعبي عمان من الكرة بدأ الإعياء النفسي يسيطر على اللاعبين، شيئا فشيئا تحول خوف المدرب إلى هاجس، ومنه تحول في نفوس لاعبي عمان إلى شك يقض مضجع الشاكلة نفسها، وقد قالها ميشيل هيدالغو المدرب الفرنسي الكبير : إذا أردت القضاء على فريقك دون أن يلعب، صدر الشك إلى نفوس لاعبيك، وستخسر حتى من ظلك ..!

كما قلت سابقا، لست في وارد الانشغال بالشاكلة التكتيكية لمدرب منتخب عمان، فعندما يسجن كومان كل قطع غيار الوسط والهجوم، فهو بهذا الجبن يغتال قدرات لاعبيه، ويحنط كل حالات الطوارئ التكتيكية، ويسلم كل مفاتيح لعبه للخصم ..

عندما فرض منتخب الهند التعادل على قطر في الدوحة، كان المنتخب الهندي كمن يسدي خدمة مجانية لمنتخب عمان، فإذا كان منتخب عمان قد أجاد في نيودلهي وفاز هناك بهدفين لواحد، فهذا الفوز كان يمنح منتخب عمان قبل مباراته مع قطر سبقا معنويا وسيكولوجيا يحلم به أي مدرب في العالم يلعب على نفسيات المنافس ..

كان الشك قد تسرب إلى نفوس لاعبي منتخب قطر، لكن للأمانة كان سانشيز مدرب منتخب قطر متخوفا من حيوية لاعبي عمان وليس خائفا، والفارق بين التعبيرين كبير وشاسع ..

تناسى كومان لاتينيته وألبس لاعبيه ثوبا أنجلوساكسوني أصغر بكثير من رأس المنتخب العماني، حتى إذا كان كومان قد فرض على لاعبيه الدخول في حوار تكتيكي مباشر مع الكرة الأنجلوساكسونية، فأين هي الأدوات التي تختزل الهجمة في رمشة عين ..؟

أين دور محور الدفاع الذي يجسد اختزال التمريرات البالونية في عمق الدفاع القطري ..؟

أين آليات الوسط التي تحفر في عمق المنافس أخاديد؟ وأين الهجوم الذي ينبش ليمنع الخصم من التخييم داخل ملعبك ..؟

ماذا فعل كومان بلاتينية اللاعبين العمانيين أمام قطر ..؟

لماذا ألغى مفهوم الطراوة البدنية ..؟
ولماذا استنزف رصيد لاعبيه بدنيا في تكتل أعمى دون هواية ؟

أغرق كومان لاعبي عمان في شاكلة قاتمة ورمادية ليس لها ملامح في الشوط الأول، فكر في الخصم القطري من الظاهر ولم يتفطن للباطن القطري المليء بالعيوب الفنية، الواضحة للعين الحسيرة قبل العين البصيرة..

أبسط ما يمكنك قراءته في أول عشر دقائق من مواجهة قطر، أن عمق العنابي يمثل نغمة نشاز واضحة، ولا أقول نقطة ضعف قاتلة، يبدو التنافر في عمق دفاع المنتخب القطري واضحا لأي رجل تقني يفهمها وهي طائرة أو زاحفة ..

مشكلة كومان أنه اعتقد أن منتخب قطر كامل الدسم بلا أخطاء وبلا نقاط ضعف، ومشكلته أيضا أنه أوهم لاعبيه بأن الخسارة من قطر بفارق بسيط مقبولة، أما التعادل معه فيمثل إنجازا ..

مشكلته أنه تعامل مع إنجاز قطر كبطل لآسيا، ولم يتعامل معه كفريق من لحم ودم، أو آلة يصيبها بعض الصدأ ..

لا أريد هنا استخدام (لو) بإسهاب في رؤيتي لخسارة عمان أمام قطر بهدفين لواحد، ليس لأن (لو) تفتح الباب أمام عمل الشيطان فقط، ولكن لأن (لو) لا تؤكل عيشا، حتى لو زرعناها في وادي عسى ورويناها بسماد يا ليت ..

يعاني منتخب قطر من ترهل في عمق الدفاع، يبدو الاضطراب واضحا على بسام الراوي وخورخي بو علام، كان يفترض الضغط المستمر من وسط عمان على حامل الكرة في ثلث وسط منتخب قطر، لإجبار الدفاع على ارتكاب الأخطاء الكارثية من العمق، كان يفترض أن يكون هناك ضغط على وسط الملعب دائما، وليس على فترات متباعدة كما شاهدنا ..

راجعوا الهدف العماني بالعرض البطيء، ستلاحظون أنه هدف جمع بين مهارة اللاعب وقتاليته على الكرة، لم يكن الهدف أبدا نبتة تكتيكية للمدرب كومان، كان يفترض أن يحرر هذا الهدف كومان من جبنه ورعبه وخوفه، وأن يوصي لاعبيه بضرورة الضغط على عمق الدفاع القطري المرتبك..

وكان عليه قبل أن تقع الطوبة في المعطوبة أن ينشط جبهة الهجوم من العمق وليس من الرواقين، كان وكان وكان، غير أن كومان قتل كان وأخواتها في مباراة كانت في متناول لاعبي عمان، لو أنهم لعبوا دون خوف ودون حسابات ودون مركب نقص مدرب جعل من شبح العنابي غولا في مخيلته فقط ..

تحرر لاعبو عمان في الشوط الثاني بعض الشيء، دون أن يغادروا متاهة كومان التكتيكية التي بناها على أوهام ومخاوف لا أساس لها من الصحة ..

بدأ المنتخب العماني يخرج من تقوقعه، وبدأ يحاول التخلص من التراكم الدفاعي القاتم، لكن المريب في الأمر أن كومان فشل تماما في استثمار حالة التجلي الفنية التي انتابت المهاجم (العلوي)، والتي أسفرت عن هدف فردي كان يفترض أن يعيد التوازن النفسي للمدرب قبل اللاعبين..

هنا كان على كومان استدراج لاعبي قطر بهدف إفراغ الوسط والهجوم من محتواه و مخزونه الفني، كيف..؟

كان على كومان أولا تقييد حركة أكرم عفيف باعتباره أفضل ممر في (الأسيست) النهائي.

ثانيا: كان عليه شنق المهاجم المعز علي، ومنعه من تنفس هواء منطقة الرشيدي، فهداف آسيا يسجل من كرات ميتة ومن أنصاف الفرص ..

ثالثا : كان على كومان بعد هدف التعادل بناء جدار عازل في ثلث ملعبه، ثم تحريك الكرات المرتدة من العمق وليس من الرواقين ..

رابعا : كان على كومان اللجوء لدكة البدلاء لتنشيط الهجوم أكثر وتحصين الوسط أكثر، هذا لأن اللهث خلف الفريق القطري طوال الشوط الأول قلل من منسوب اللاعبين بدنيا ..

إنني أتفهم لجوء منتخب قليل الإمكانيات الفردية والتكتيكية مثل منتخب اليمن أو حتى أفغانستان للانكماش الدفاعي، لكني لن أتفهم الأسباب التي جعلت كومان يتخلى فجأة عن لاتينية لاعبيه، ثم يجردهم من قدراتهم الفنية والبدنية والبشرية، لمجرد أنه يلتقي مع بطل آسيا..

ماذا دهاك يا كومان ..؟

أليس هذا هو المنتخب نفسه الذي هزم الهند، ثم تجول في تاج محل على كيف كيفه ..؟
أليس هذا هو المنتخب الهندي نفسه الذي فصل ألوان العنابي في الدوحة، وعاد إلى موطن الأفيال والأفاعي مختالا بالتعادل ..؟، إذن لماذا يا كومان أسقطت كل تلك الاعتبارات النفسية والفنية من مفكرتك..؟

لماذا أوهمت لاعبيك أن منتخب قطر أقوى من الهند ومن البرازيل ..؟، من فضلك يا خواجة كومان، شاهد المباراة مرة ومرتين وستدرك أنك هزمت منتخب عمان بجبنك وخوفك، أتحداك يا كومان أن تقول للفنيين والمحللين العمانيين الذين يعرفون بئرك وغطاءك أن منتخب قطر هو من هزم منتخب عمان، ولست أنت .. أتحداك تتكلم صراحة ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى