خليك تمام.. للأحمر الصغير تعظيم سلام ..!

كتب: محمد العولقي

هيا أيها الهدهد طف على شمسان و اجزع ساحل أبين والغدير، كل شيء معقول يا صغاري إلا هذه الفرحة العارمة التي وحدت القلوب و الأفئدة في زمن تفرقت فيه أيدي سبأ ..

للعرب قيسان: قيس الشاعر المجنون بليلى، و قيس المدرب الولهان بالحذق التدريبي .. الأول راح ضحية ليلى المريضة، و الثاني يغني على ليلاه شجنا بنكهة بن اليمن يا درر يا كنز فوق الشجر.

ليل قيس الشاعر تطاول في (دمون)، أما قيس المدرب فليله انقشع والفرحة عمت واانجلت في البلاد سكان العباد مبروك علينا كل عيد ..

قصيدة الشاعر قيس من حروف ملتهبة مطعمة بقافية بكاء، أما قصيدة المدرب قيس فأبياتها من لحم ودم، صاغها بضعة أشبال يضبطون الروي وحرف القافية..

هذا المنتخب عطاء من الطبيعة، هبة من المولى عز وجل لهذا الشعب الذي يتقلب على جمر ألاعيب السياسيين المكتئبين..

هذا المنتخب نتاج مدرب شاب طلب العلا فسهر الليالي دون وسيلة مساعدة لا من صديق ولا من عدو، باستثناء أن هذا المنتخب اعتمد في مشواره نحو منصة التتويج على مساعدة جمهوره الوفي المخلص الذي افترش المدرجات وهتف بحناجره للصغار وليس سياسي مستصغر الشرر، كما أنه اعتمد على ذاته وليس على خفة عفريت من الجن..

هذه مواهبنا طبيعية من الشارع والحارة إلى المنتخب دون المرور بمرحلة تدوير في ظل غياب الرؤية الواضحة لاتحاد الكرة..

مواهبنا هكذا أخضر من الله لا مطر ولا شيد، اقلب حجرا تجد تحتها موهوبا راقصا وكأنه من مخرجات الكوبا كابانا..

يتألقون وأمامهم الخصوم يتساقطون كأوراق الخريف، يتناغمون وفي حضرة انسجامهم يوزعون متعة الكرة السهلة البسيطة البعيدة كل البعد عن التكلف والتقليد واللعب المعلب المصنوع بالريموت كنترول..

عاصرتُ منتخب 2003 الذي فاز بفضية آسيا وبلغ نهائيات كأس العالم للناشئين في فنلندا في ذات العام، لكنه أبدا ليس في قريحة هذا المنتخب الصغير قولا وفعلا، وليس في مستوى التقارب السني مع هذا المنتخب الذي يبدو أفراده متساوين كأسنان المشط..

وأخيرا هذا المنتخب يضع على صدر وطنه الجريح القلادة الآسيوية الأولى، لقب طال طال كثيرا لكنه جاء في وقت الحاجة الماسة ليفرح هذا الشعب الفقير الذي لا يجد ما يسد به رمق الحياة..

لا يدرك الشوق إلا من يكابده والذي يده في الماء ليس مثل الذي يده في النار، والمدرب قيس محمد صالح كان يموت كل ثانية مائة مرة، كان محاصرا بالكثير من الإرهاصات، لكنه قاوم غيبوبة الجرح فخرج من المعمعة بطلا لا يقل بطولة عن سيف بن ذي يزن.

تعلقت بهؤلاء الصغار الذين انتصروا للشعب المترب، وهزموا السياسيين بفلسفة وعقلية الفوز ، فأكدوا من جديد أن اليمني ثمنه غال جدا أغلى من كل ملايين السياسيين الذين جاءوا اليوم ليحتلوا المشهد وقدموا أنفسهم صناعا لهذه الملحمة الشعبية الكبيرة (شوفوا على زناطين)..

كان الجمهور اليمني وقود اللاعبين والداعم المعنوي الأول لهم و المحرك لطاقاتهم والشاحن لبطاريات طبيعية لا تنضب، كانوا هم اللاعب الأهم الذي هزم المنافسين في رمشة عين..

على الأقل خلصنا هذا المنتخب من عجين السياسة ومن ألعابها الدراكولية شديدة الخطورة..

لأول مرة ينضبط الضغط ويعتدل السكر دون الحاجة لأقراص أو إبر أنسولين والبركة في هؤلاء الشطار الذين نقلوا معنوياتنا من الحضيض إلى سابع سماء..

شكرا لكم أيها الصغار لأنكم أطعمتونا من جوع وآمنتونا بفضل الله من خوف اللحظة الدراماتيكية..

شكرا لكم لأنكم كنتم لنا مثلما كنا لكم، خليكم تمام لتحتفظوا بتعظيم السلام..

شكرا لكم لأنكم فضحتوا تجار السياسة وعريتوا من يهملكم من كل أوراق التوت..

شكرا للجمهور الذي يثبت دائما في السراء قبل الضراء أن بلازما الكرة تسبح في دمه، وأنه جمهور فريد لا نظير له ..

  • باقي نصيحتان:

الأولى للسياسيين في الداخل والخارج : ابعدوا أموالكم عن عقول هؤلاء الصغار، دعوهم كما هم أنقياء يحملون في قلوبهم هم وهموم الناس..

والثانية لاتحاد الكرة: هذا الإنجاز ليس لك فيه ناقة ولا جمل، و هذا اللقب لا يحمل لك بصمة، بصمتك الحقيقية واضحة جدا وتكمن في المنتخب الأول المدمن فشل والبركة في عقلية أنا ومن بعدي الطوفان ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى